نام کتاب : تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن نویسنده : الثعالبي، أبو زيد جلد : 2 صفحه : 120
في سَبيلِ اللَّهِ ألا ترى إلى حال الصَّحابة (رضي اللَّه عنهم) ، وقلَّتِهِمْ في صَدْرِ الإسلامِ، وكيف فتح اللَّه بهم البلاد، ودان لدِينِهِمُ العباد، لما بَذَلُوا للَّه أنفسَهُمْ في الجهاد، وحالِنا اليَوْمَ، كما ترى عددُ أهْل الإسلام كثيرٌ، ونكايتهم في الكُفَّار نَزْرٌ يسيرٌ، وقد روى أبو دَاوُدَ في «سننه» عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تتداعى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: ومِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، ولَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ المَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ» [1] . اهـ، فانظر (رحمك اللَّه) ، فهل هذا الزمانُ إلا زماننا بعَيْنه، وتأمَّل حال ملوكنا، إنما هِمَّتهم جمْعُ المالِ مِنْ حرامٍ وحلالٍ، وإعراضُهم عَنْ أمْر الجهاد، فإنا للَّه وإنا إليه راجعُونَ على مصاب الإسلام.
[سورة آل عمران [3] : الآيات 147 الى 148]
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)
وقوله تعالى: وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ... الآية: هذه الآيةُ في ذكْر الرِّبِّيِّين، أي: هذا كان قولَهُم، لا ما قاله بعضُكم، يا أصْحَاب محمَّد: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنا هاهُنا [آل عمران: 154] ، إلى غير ذلك ممَّا اقتضته تلْكَ الحَالُ مِن الأقوال، قُلْتُ: وهذه المقالَةُ ترجِّح القولَ الثانِيَ في تفْسير الرِّبِّيِّينَ إذ هذه المقالةُ إنما تَصْدُرُ من علماء عارفينَ باللَّه.
قال ع [2] : واستغفار هؤلاءِ القَوْمِ الممْدُوحِينَ فِي هذا المَوْطِنِ يَنْحُو إلى أنهم رَأَوْا أَنَّ ما نزل مِنْ مصائبِ الدُّنْيا إنما هو بِذُنُوبٍ من البَشَرِ كما نزلَتْ قصَّة أُحُدٍ بعصيان من عصى، وقولهم: ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا: عبارتان عن معنًى قريبٍ بعضُهُ من بعضٍ جاء للتأكيد، ولتعمَّ مناحي الذنوبِ وكذلكَ فسَّره ابنُ عبَّاس وغيره [3] ، وقال الضَّحَّاك: الذنوبُ عامُّ، والإسرافُ في الأمر، أريدَ به الكبائرُ خاصَّة، فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا [1] أخرجه أبو داود (2/ 514) ، كتاب «الملاحم» ، باب في تداعي الأمم على أهل الإسلام، حديث (4297) من طريق أبي عبد السلام عن ثوبان به.
وأخرجه أحمد (5/ 278) ، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 182) من طريق أبي أسماء الرحبي عن ثوبان به. [2] ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 522) . [3] ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 522) .
نام کتاب : تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن نویسنده : الثعالبي، أبو زيد جلد : 2 صفحه : 120